براءات الاختراع

الإستغلال تحت حماية قوانين الملكية الفكرية

ربما أتفهم دفاع الشركات العملاقة أو الدول التي لديها تاريخ استعماري عن الملكية الفكرية، لكني لا زلت لا أفهم لماذا هناك من يدافع باستماتة عن الملكية الفكرية وما يرتبط بها من قيود أخرى، وهو فعليا في أمس الحاجة لنقل المعرفة والتكنولوجيا والعلوم وتوطينها. هم تماما كالذي صنع فرانكشتاين ليقضي عليه في آخر الرواية.
لا داعي الآن لصرف مزيد من المليارات على الحروب، نهب ثروات الدول الأخرى يمكن أن يتم بسلاسة قانونية ومباركة المجتمع الدولي،فقط بتطبيق الملكية الفكرية واتفاقياتها. لقد تغيرت المعادلة، واتجه الاقتصاد من “الموارد الطبيعة” إلى “اقتصاد المعرفة” فالمعلومات أصبحت قوة ربما تجاوز قوة صناعات ثقيلة وقطع حربية ودول بمواردها الطبيعية.

تحصل شركات عملاقة على براءات اختراع لبذور معينة، تنتج محصولا أكثر من البذور العادية، هذا لا يعني فعليا وفرة في الغذاء، بل يعني وفرة في أرصدت الشركات صاحبة براءة الاختراع والمُنتِج الحصري للبذور.

شركة مونسناتو، واحدة من أهم الشركات الأمريكية التي تُنتج بذورا مهندسة وراثيا تقاوم الحشرات والأعشاب الضار، ما يعني إنتاجية أكثر في المحاصيل. وحتى يظل الفلاحين تحت رحمة الشركة فإن الشركة تشترط في عقد البيع عدم معاودة استخدام البذور مرة أخرى في السنة القادمة!

منذ اكتشاف الزراعة والفلاحون يحتفظوا بجزء من البذور الناتجة من محاصيلهم لزراعتها بالموسوم القادم!

يبدو حلا غير منطقي فكرة عقد الشركة مع الفلاح، فكيف لمونسناتو أن تراقب فلاحا يبعد عنها بآلاف الكيلومترات إلى لتعرف ماذا كان احتفظ بالبذور أم نفذ العقد ولم يحتفظ. استطاعت الشركة تجاوز هذه المشكلة بدفعها مبلغ مليار دولار نظير حصولها على براءة اختراع لتكنولوجيا تقوم بإصابة المحصول بالعقم!فحين يصل المحصول إلى مرحلة تكوين البذور يصاب بعقم فلا يمكن استخدامه لاحقا في الزراعة. وبالتالي يضطر الفلاح مرة أخرى لشراء البذور وإضافة المزيد من الدولارات لرصيد الشركة.

لا مجال هنا للحديث عن أخطار الهندسة الوراقية، فمعرفتي المحدودة بتفاصيل أمورها تقول أن هناك اختلافا علميا حول أضرارها، وبعض تجاربها لا ينتج عنها ضرارا على الإنسان.

 لدينا مساحة من الأراضي الزراعية، لا يكفي محصولها ونضطر للاستيراد، والحل ربما يكمن في تكنولوجيا الهندسة الوراثية، التي تحتكرها شركات عملاقة. طبق كل ما سبق على كل مناحي الحياة، أدوية، إلكترونيات، صناعات ثقيلة، برمجيات..إلخ.

ماذا تُفيد الموارد الطبيعية إن كانت الملكية الفكرية وبراءات الاختراع تحكم استغلالها؟ ربما لا فائدة، أو فائدة لا تتناسب مع الاحتياجات والاستخدام الأمثل والرشيد، إلا إذا قررت الدول بيعها لشركات تمتلك براءات اختراع في الطرق الأمثل لاستغلالها سواء كان ذلك بمعدات التصنيع أو ما يتعلق بالاستخدام الرشيد لها مثلا.

  • وجود وتوفّر البترول في دولة، يمثّل دخلا هائلا للاقتصاد القومي، في نفس الوقت، يُستعان شركات لديها براءات اختراع في معدات استخراجه وتكريره، دونها ستكون التكلفة أكثر أو لا يٌستطاع استخراجه بالأساس.
  • وجود عقول تتعامل بذكاء مع الإلكترونيات في دولة نامية، لا يعني أنهم قادرون على تطوير التكنولوجيا ببلادهم. لن يستطيعوا استخدام الهندسة العكسية لتطوير قدراتهم التقنية في فهم تكنولوجيات جديدة وتطويرها وتطويعها لتخدم أغراضهم واحتياجات بلادهم.
  • وجود أرض صالحة للزراعة في دولة لا يعني اكتفاءا ذاتيا من الطعام، نموا السكان في تزايد بأغلب الدول النامية. الاكتفاء الذاتي ربما يتطلب بذور مُهندسة وراثيا وأسمدة تمتلك براءات اختراعها شركات مثل منسناتو.
  • وجود نباتات طبيعية في دولة ما، يمكن استخلاص مواد كيميائية منها تٌستخدم في إنتاج الأدوية، لا يعني انخفاض في سعر الدواء. شركات الأدوية تتقاتل من أجل الحصول على براءات الاختراع واحتكار صناعة الأدوية.

لا أظن قائمة مثل هذه يمكن أن تنتهي!

من هو مخترع الهاتف؟
أنطونيو ميوتشي، عالم إيطالي فقير، اخترع جهازا يستطيع به الاطمئنان على زوجته المريضة بحيث ينقل صوته إليها عبر الأسلاك، وسجل براءة اختراع مؤقته لاختراعه. اكتشف بعد فترة أنه لم يوثّق براءة اختراعه بالشكل الصحيح، حيث أنه لم يكتب فيها أنه ينقل الصوت عبر الموجات الكهروماغنطيسية في الأسلاك النحاسية ولم يملك أي نقودا كافيه لتجديد براءة الاختراع المؤقته، جرهام بل كان يعمل معه في نفس المعمل، وجد بل نموذج ميوتشي وعمل عليه وبعد عامين من وفاة أنطونيو ميوتشي، وثّق جرهام بل براءة اختراع باسمه.

بالمناسبة، مجلس الشيوخ الأمريكي اعتبر ميوتشي هو المخترع الحقيقي للهاتف في سنة 2002، كاسترداد لحقه الأدبي.

أفكار مُشتتة حول الملكية الفكرية وبراءات الاختراع

  • الملكية الفكرية وبراءات الاختراع وحقوق النشر، مصطلحات استُخدمت بمكر لإرساء مفاهيم وقيم لا تخدم سوى شركات عملاقة تتاجر بكل شيئ. مصطلحات مثل “قرصنة” و “سرقة” هي مصطلحات مضلله تشبه شخصا شارك برمجية أو كتابا أو مقطعا موسيقيا بقرصانا يقتل ويسرق. لنسمي الأشياء بأسمائها، ليست “قرصنة” لكنها “مشاركة”.
  • إشكاليات متعددة يطرحها داعمي حقوق النشر وبراءات الاختراع، لا أرى لأي منها وزنا إذا وُضعت كل حججهم في مقابل الحق في المعرفة والحق في الحياة. فعليا لن يكون هناك أي وزن لأي قيم تقف عائقا أمامهما.
  • تعج القوانين في مصر وغيرها من البلدان بما يُسمى قوانين حماية الملكية الفكرية وما يرتبط بها من حقوق التأليف وحقوق النشر وبراءات الاختراع. يمكن لسلطات تنفيذ القانون توقيع عقوبات على مستخدم لأنه شارك كتابا أو مقطعا موسيقيا أو يستخدم برمجية غير مُرخّصة.
  • كيف يمكنني احترام الملكية الفكرية إذا كانت تمنع الناس من تلقّي دواء يُعالج مرضا مميتا؟
  • في أسوأ صورها تظهر الملكية الفكرية في مجالات صناعة الدواء. تحتكر شركات عملاقة -تتجاوز أربحها ميزانيات عدة دول مجتمعة-صناعة دواء يُقاوم أمراض مُميتة تحت مسمى (براءات الاختراع). في سنة 2001 سنت حكومة جنوب إفريقيا قانونا يسمح باستيراد أدوية صُنعت بالمخالفة لاتفاقيات الملكية الفكرية، لكي يحصل مرضى الإيدز على علاج بسعر أرخص. على اثر ذلك قامت أكثر من 40 شركة دواء برفع قضية ضد جنوب أفريقيا. قوانين منظمة التجارة العالمية تسمح للدول الفقيرة الحصول على الأدوية من خلال تصنيعها أو استيرادها في بعض الحلات. وفاة 100 شخص يوميا بسبب الإيدز في جنوب إفريقيا لم تراها شركات الأدوية تستدعي حصول المرضى على الدواء بسعر مناسب لدخولهم.
  • شجرة بالهند تُستخدم في للأغراض علاجية منذ مئات السنين، في ثمانينات القرن الماضي حصلت بعض الشركات على براءة اختراع لمواد مستخلصة منها. حدّثني أكثر عن هراء الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.
  • تتفق شركات صناعة الدواء مع شركات صناعة التكنولوجيا والناشرين في نظرتهم للملكية الفكرية، جميعهم يسوقوا نفس الحجج؛ النسخ سرقة، الهندسة العكسية سرقة، مشاركة البرمجيات سرقة، كل شيئ يحُد من احتكارهم يعتبروه سرقة.
  • تُعطي ميكروسوفت نسخا مجانية أو مُخفضة التكاليف للمدارس والجامعات. كل برمجيات ميكروسوفت هي برمجيات مغلقة لا يمكن لأي شخص معرفة ما يدور خلف واجهاتها، برمجيات تمنع الطلاب من دراسة شفرتها البرمجية والاستفادة منها في تطوير مهاراتهم، ولا يمكنك مشاركة أي منها، يجب أن تدفع مقابل الاستخدام.
  • أعلنت ميكروسوفت أن مستخدمي نسخ ويندوز 8 غير المرخّصة سيكونوا قادرون على ترقية أنظمتهم إلى ويندوز 10. إذا كانت ميكروسوفت تستطيع معرفة النسخ المنسوخة والنسخ الأصلية، لماذا لا تُعطّل النسخ المنسوخة عن العمل؟ لما نشعر أن ميكروسوفت سعيدة بنسخها “المقرصنة” ولا تسعى جديا للقضاء على مشاركة برمجياتها؟
  • كل ما وصلنا إليه الآن من اختراعات مبني على جهود تراكمت على مدار العصور. منتجات الشركات العملاقة والمحتكِرة لم تظهر من العدم.
  • المدافعين عن الملكية الفكرية يستندوا على حجة (لا يمكنك الاستفادة بما لم تدفع مقابله) كمعارضة لممارسة “المشاركة” أو “الهندسة العكسية”؛ هل نسأل ميكروسوفت مثلا عن دفعهم مقابل مادي لورثة الخوارزمي عن استخدامهم لعلم الجبر الذي أسسه واستخدمه مبرمجي ميكروسوفت لإنتاج برمجياتهم؟ هل دفعت شركات الدواء مقابل استخدامها لكل التطورات العلمية التي بُني عليها دوائهم؟
  • ما يحدث أن شركات عملاقة تُراكم عدد ضخم من براءات الاختراع، ثم بدأت تتاجر في الحق في استغلالها، حتي صارت حقوق الملكية الفكرية في حد ذاتها أحد مصادر دخولهم. شركات أصغر ودول فقيرة تدفع لشركات عملاقة مقابل حصولهم على تركيبة لدواء، وبعد هذا ربما يموت مواطنيها لعدم قدرتهم على الدفع.
  • كيف يمكن لنا أن نتطور في صناعة التكنولوجيا والبرمجيات ونحن لا نستطيع دراسة الشفرة البرمجية للبرامج التي نستخدمها ولا استخدام الهندسة العكسية لمعرفة كيفية عمل الدارات الكهربية للأجهزة الإلكترونية؟ لا داعي لأن نتطور، ما دمنا لا نُخالف الملكية الفكرية.
  • جزء كبير من الثمن الذي يدفعه المريض للحصول على دواء، يذهب في حق الانتفاع ببراءات الاختراع، ما يعني لا يمكنني قبول الربط بين القدرة المادية وحق المريض في الحصول على دواء.
  • اتفاقية تريبس طلبت من جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن تعطي 20 عاماً من حماية براءات الاختراع على المستحضرات الصيدلانية.
  • اتفاقية تريبس طلبت من جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن تعطي 20 عاماً من حماية براءات الاختراع على جميع مجالات التكنولوجيا والبرمجيات.
  • هناك نظام يمنع عرض أو تشغيل المواد الرقمية على الحواسيب، يُسميه البعض “إدارة الحقوق الرقمية” ويراه داعمي الحرية “إدارة القيود الرقمية