الحق في المعرفة

الملكية الفكرية أم احتكار الأفكار؟

يمكن أن نستيقظ صباحا لنجد أحد الشركات العملاقة قد أخذت براءة اختراع في لبس الفانلة الحمراءبالشقلوب بعد منتصف الليل. لا أظنني سأندهش من ذلك. دعني أسرد لك بعض براءات الاختراع:

  • ميكروسوفت لديها براءة اختراع للنقر مرتين بالفأرة Double Click
  • أبل وسامسونج تصارعوا حول الأحق ببراءة اختراع للأيقونات ذات الزوايا الدائرية، وسجلت أبل براءة اختراع لتصميم الأيقونات بزوايا دائرية.
  • جوجل لديها براءة اختراع في تغيير الشعار Logo مؤقتا للاحتفال بمناسبة ما
  • أبل لديها براءة اختراع لتصميم سلالم زجاجية في متاجرها
  • لدى أبل براءة اختراع فيما يخلص التعليب والتغليف لمنتجاتها
  • أمازون لديها براءة اختراع لفكرة الشراء بضغطة واحدة

لا تبدو حقوق الملكية الفكرية كحقوق طبيعية، بل تبدو كقيود وُجدت لتخدم مصالح دول وشركات عملاقة تريد السيطرة اقتصاديا على شعوب أخرى انسحقت باستبداد حكامها وانبطاح حكوماتها.

  • تخيل أنك اشتريت فنجان قهوة، لا يمكنك أن تشرب فيه إلا نوع معين من القهوة.
  • تخيل انك اشتريت مطرقة لا تستطيع استخدامها إلا مع نوع معين بالمسامير.
  • تخيل انك بعد أن دفعت مئات الدولارات لتشتري برنامج ولا تستطيع أن تستخدمه إلا لغرض معين ولا تستطيع أن تعرف كيف يعمل.
  • تخيل أنك في دولة بها ملايين المرضى بالكبد ولا تستطيع تصنيع دواء تركيبته موجودة بالفعل لعلاجهم.
  • تخيل أنك اشتريت كتابا ولا تستطيع إرسال نسخة إلكترونية منه لصديقك، رغم انك دفعت لقاء الاستفادة منه.
  • تخيل أنك وجدت حلا لمشكلة ما وقُدمت للمحاكمة بسبب أن هناك شخص آخر حصل على براءة اختراع لحلها وأنت لا تعلم.

كن حذرا وأنت تستخدم عقلك وتفكيرك، ربما تذهب للسجن، هناك شخص ما ربما حصل على براءة اختراع لما تفكّر به.

حقوق الملكية الفكرية واحدة من أهم العقبات التي تواجه تدفق المعلومات، قيود عديدة تقحمها الملكية الفكرية في وجه تدفق المعلومات ما يخلق ندرة في المعلومات حتما لا تخدم البشرية بل تخدم مصالح دول وشركات وفقط بحماية تدابير وحشية تُزيد من الحواجز أمام التطور والنهضة والحياة يوما بعد الآخر.

  • إذا كنت تدرس البرمجة، لا يمكنك أن تدرس الشفرة المصدرية لبرنامج معين لتطور به علمك، لأن حقوق الملكية الفكرية تمنع ذلك. حتى بعد دفعك مئات الدولارات للحصول عليه.
  • إذا كنت تدرس الصيدلة، لن يمكنك دراسة تركيبة دوائية أو تصنيعها محليا، يجب أن تدفع أولا لقاء ذلك.
  • إذا كنت تعمل في مصنع، لن تستطيع تطوير جهاز أو مكينة به أو حل مشاكلها. حقوق الملكية تمنع ذلك، يجب أن ترجع للمُصنّع صاحب حقوق الملكية الفكرية وتدفع مقابل جهدك وتفكيرك!
  • حدثني، كيف يمكن لبلد نامي أن يحدث نهضة وهو لا يستطيع دراسة التكنولوجيا ومعالجة مرضاه وقراءة الكتب والدوريات العلمية؟

استخدم الهنود شجرة النيم في مجالات الطب ومواد التجميل ووسائل منع الحمل وتم تطوير استخدامها محليا على مدى قرون عديدة، في الثمانينات حصلت شركات أمريكية ويابانية على أكثر من 12 براءة اختراع على مواد مُستخلصة من شجرة النيم، فعليا لقد تم مصادرة المعرفة التي حصل عليها القروي الهندي من قبل حفنه من الجشعين.

أفكار مُشتتة حول الملكية الفكرية وبراءات الاختراع

  • الملكية الفكرية وبراءات الاختراع وحقوق النشر، مصطلحات استُخدمت بمكر لإرساء مفاهيم وقيم لا تخدم سوى شركات عملاقة تتاجر بكل شيئ. مصطلحات مثل “قرصنة” و “سرقة” هي مصطلحات مضلله تشبه شخصا شارك برمجية أو كتابا أو مقطعا موسيقيا بقرصانا يقتل ويسرق. لنسمي الأشياء بأسمائها، ليست “قرصنة” لكنها “مشاركة”.
  • إشكاليات متعددة يطرحها داعمي حقوق النشر وبراءات الاختراع، لا أرى لأي منها وزنا إذا وُضعت كل حججهم في مقابل الحق في المعرفة والحق في الحياة. فعليا لن يكون هناك أي وزن لأي قيم تقف عائقا أمامهما.
  • تعج القوانين في مصر وغيرها من البلدان بما يُسمى قوانين حماية الملكية الفكرية وما يرتبط بها من حقوق التأليف وحقوق النشر وبراءات الاختراع. يمكن لسلطات تنفيذ القانون توقيع عقوبات على مستخدم لأنه شارك كتابا أو مقطعا موسيقيا أو يستخدم برمجية غير مُرخّصة.
  • كيف يمكنني احترام الملكية الفكرية إذا كانت تمنع الناس من تلقّي دواء يُعالج مرضا مميتا؟
  • في أسوأ صورها تظهر الملكية الفكرية في مجالات صناعة الدواء. تحتكر شركات عملاقة -تتجاوز أربحها ميزانيات عدة دول مجتمعة-صناعة دواء يُقاوم أمراض مُميتة تحت مسمى (براءات الاختراع). في سنة 2001 سنت حكومة جنوب إفريقيا قانونا يسمح باستيراد أدوية صُنعت بالمخالفة لاتفاقيات الملكية الفكرية، لكي يحصل مرضى الإيدز على علاج بسعر أرخص. على اثر ذلك قامت أكثر من 40 شركة دواء برفع قضية ضد جنوب أفريقيا. قوانين منظمة التجارة العالمية تسمح للدول الفقيرة الحصول على الأدوية من خلال تصنيعها أو استيرادها في بعض الحلات. وفاة 100 شخص يوميا بسبب الإيدز في جنوب إفريقيا لم تراها شركات الأدوية تستدعي حصول المرضى على الدواء بسعر مناسب لدخولهم.
  • شجرة بالهند تُستخدم في للأغراض علاجية منذ مئات السنين، في ثمانينات القرن الماضي حصلت بعض الشركات على براءة اختراع لمواد مستخلصة منها. حدّثني أكثر عن هراء الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.
  • تتفق شركات صناعة الدواء مع شركات صناعة التكنولوجيا والناشرين في نظرتهم للملكية الفكرية، جميعهم يسوقوا نفس الحجج؛ النسخ سرقة، الهندسة العكسية سرقة، مشاركة البرمجيات سرقة، كل شيئ يحُد من احتكارهم يعتبروه سرقة.
  • تُعطي ميكروسوفت نسخا مجانية أو مُخفضة التكاليف للمدارس والجامعات. كل برمجيات ميكروسوفت هي برمجيات مغلقة لا يمكن لأي شخص معرفة ما يدور خلف واجهاتها، برمجيات تمنع الطلاب من دراسة شفرتها البرمجية والاستفادة منها في تطوير مهاراتهم، ولا يمكنك مشاركة أي منها، يجب أن تدفع مقابل الاستخدام.
  • أعلنت ميكروسوفت أن مستخدمي نسخ ويندوز 8 غير المرخّصة سيكونوا قادرون على ترقية أنظمتهم إلى ويندوز 10. إذا كانت ميكروسوفت تستطيع معرفة النسخ المنسوخة والنسخ الأصلية، لماذا لا تُعطّل النسخ المنسوخة عن العمل؟ لما نشعر أن ميكروسوفت سعيدة بنسخها “المقرصنة” ولا تسعى جديا للقضاء على مشاركة برمجياتها؟
  • كل ما وصلنا إليه الآن من اختراعات مبني على جهود تراكمت على مدار العصور. منتجات الشركات العملاقة والمحتكِرة لم تظهر من العدم.
  • المدافعين عن الملكية الفكرية يستندوا على حجة (لا يمكنك الاستفادة بما لم تدفع مقابله) كمعارضة لممارسة “المشاركة” أو “الهندسة العكسية”؛ هل نسأل ميكروسوفت مثلا عن دفعهم مقابل مادي لورثة الخوارزمي عن استخدامهم لعلم الجبر الذي أسسه واستخدمه مبرمجي ميكروسوفت لإنتاج برمجياتهم؟ هل دفعت شركات الدواء مقابل استخدامها لكل التطورات العلمية التي بُني عليها دوائهم؟
  • ما يحدث أن شركات عملاقة تُراكم عدد ضخم من براءات الاختراع، ثم بدأت تتاجر في الحق في استغلالها، حتي صارت حقوق الملكية الفكرية في حد ذاتها أحد مصادر دخولهم. شركات أصغر ودول فقيرة تدفع لشركات عملاقة مقابل حصولهم على تركيبة لدواء، وبعد هذا ربما يموت مواطنيها لعدم قدرتهم على الدفع.
  • كيف يمكن لنا أن نتطور في صناعة التكنولوجيا والبرمجيات ونحن لا نستطيع دراسة الشفرة البرمجية للبرامج التي نستخدمها ولا استخدام الهندسة العكسية لمعرفة كيفية عمل الدارات الكهربية للأجهزة الإلكترونية؟ لا داعي لأن نتطور، ما دمنا لا نُخالف الملكية الفكرية.
  • جزء كبير من الثمن الذي يدفعه المريض للحصول على دواء، يذهب في حق الانتفاع ببراءات الاختراع، ما يعني لا يمكنني قبول الربط بين القدرة المادية وحق المريض في الحصول على دواء.
  • اتفاقية تريبس طلبت من جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن تعطي 20 عاماً من حماية براءات الاختراع على المستحضرات الصيدلانية.
  • اتفاقية تريبس طلبت من جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن تعطي 20 عاماً من حماية براءات الاختراع على جميع مجالات التكنولوجيا والبرمجيات.
  • هناك نظام يمنع عرض أو تشغيل المواد الرقمية على الحواسيب، يُسميه البعض “إدارة الحقوق الرقمية” ويراه داعمي الحرية “إدارة القيود الرقمية